اللهم اجعلآخركلامي في الدنيا لا اله إلا الله محمد رسول الله
اللهملا تجعلنا ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهميحسبون
أنهميحسنون صنعا
أيــوب عليه السلام
) .... فَاقْصُصِالقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (
سورة الأعراف آية 176
أيوب عليه السلام ..نبى من أنبياء اللهالعظام الذين جاء ذكرهم فى القرآن الكريم .. يعرفه العام والخاص ، فحين يضربونمثلا للصبر يقولون " صبر أيوب "
فيا تُرى ما قصةُ أيوبعليه السلام ..
أيوب عليه السلام منذرية يوسف عليه السلام ، تزوج سيدة عفيفة.
وأيوب عليه السلاموزوجته الكريمة يعيشان فى منطقة " حوران "
وقد أنعم الله على أيوبعليه السلام بنعم كثيرة فرزقه بنينًا وبنات، ورزقه أراضى كثيرة يزرعها فيخرج منهاأطيب الثمار .... كما رزقه قطعان الماشية بأنواعها المختلفة .. آلاف من رءوسالأبقار ، آلاف رءوس من الأغنام ، آلاف من رءوس الماعز وأخرى من الجمال .
وفوق ذلك كله أعلى اللهمكانته واختاره للنبوة .
وكان أيوب عليه السلامملاذًا وملجئًا للناس جميعًا وبيته قبلة للفقراء لما علموا عنه أنه يجود بما لديهولا يمنعهم من ماله شيئًا .
و لا يطيق أن يرىفقيرًا بائسًا، و بلغ من كرمه عليه السلام أنهلم يتناول طعامًا حتى يكون لديه ضيفًا فقيرًا .
هكذا عاش أيوب عليهالسلام ..
يتفقد العمل في الحقولوالمزارع ، ويباشر على الغلمان والعبيد والعمال ، وزوجته تطحن وبناته يشاركن الأم..
وأبناء أيوب عليهالسلام يحملون الطعام ويبحثون عن الفقراء والمحتاجين من أهل القرية ، والخدموالعمال يعملون في المزارع والأراضى والحقول .
و أيوب عليه السلاميشكر الله .. ويدعو الناس إلى كل خير وينهاهم عن كل شر .
أحب الناسُ أيوب عليهالسلام .. لأنه مؤمن بالله يشكر الله على نعمه .. ويساعد الناس جميعاً .. ولميتكبر بما لديه ، من مزارع وحقول وماشية وأولاد ..
كان يمكنه أن يعيش فيراحة ، ولكنه كان يعمل بيده ، وزوجته هي الأخرى كانت تعمل فى بيتها ....
(2)
راح الشيطان يوسوسللناس يقول لهم: إن أيوب يعبد الله لأنه أعطاه هذا الخير العميم والفضل الكثير منالبنين والبنات والأموال من قطعان الماشية والأراضى الخصبة .. فأيوب يعبد اللهلذلك وخوفا على أمواله . ولو كان فقيرًا ما عبد الله ولا سجد له ...
ووجد الشيطان من يسمعله ويصغى لما يقول من وساوس .. فتغيرّت نظرتهم إلى أيوب عليه السلام وأصبحوايقولون :
" إن أيوب لو تعرضلأدنى مصيبة لترك ما هو فيه من الطاعة والإنفاق فى سبيل الله .. ألا ترون كثرةأولاده وكثرة أمواله وكثرة أراضيه المثمرة ، فلو نزع الله منه هذه الأشياء لتركعبادة الله بل سينسىالله ..
ورويدًا رويدًا ..
تحول أهل حوران إلىناقمين على أيوب عليه السلام بعدما كانوا يحبونه حبا جما .. وأصبحوا يرون أيوبعليه السلام من بعيد فيتحدثون عنه بصورة مؤذية .
(3)
بدأت المحنة والابتلاءمن الله تعالى . .
فبينما كان كل شيء يمضيهادئاً . . فأيوب عليه السلام حامدًا شاكرًا ساجدًا لله تعالى على نعمه الكثيرة ..وأولاده ينعمون ويشكرون الله .. والعمال والعبيد يعملون في الأراضي والمزارع ..
زوجة أيوب عليه السلامكانت تطحن في الرحى . .
وبينما الجميع فى عافيةمن أمره مغتبطًا مسرورًا ، إذ وقعت الابتلاءات والمحن ..
فجاء أحد العمال يجرىويصيح :
ـ يا سيدى .. يا نبىالله ؟!!
ـ ماذا حصل ؟! تكلم .
ـ لقد قتلوهم . . قتلواجميع رفاقي . . الرعاة والفلاحين . . جميعهم قتلوا جرت دماؤهم فوق الأرض . . .
ـ كيف حدث ذلك ؟!
ـ هاجمنا اللصوص . .وقتلوا من قتلوا وأخذوا ما معنا من ماشية .
أيوب عليه السلام أخذيردد : إنا لله وإنا إليه راجعون . . .
إن الله سبحانه شاء أنيمتحن أيوب .. وأراد أن يبين للناس أن أيوب عليه السلام رجلاً صابرًا محتسبًا ولايعبده لأنه فى غنى وعافية.
في اليوم التالي نزلتالصواعق من السماء على أحد الحقول التابعة لما يملكه أيوب عليه السلام .. وجاء أحدالفلاحين .. كانت ثيابه محترقة وحاله يُرثى له ..
هتف أيوب عليه السلام :
ـ ماذا حصل ؟!
ـ النار ! يا نبي اللهالنار !!
ـ ماذا حدث ؟
ـ احترق كل شيء . . لقدنزل البلاء . . الصواعق أحرقت الحقول والمزارع . . أصبحت أرضنا رمادًا يا نبي الله. . كل رفاقي ماتوا احترقوا .
قالت زوجة أيوب عليهالسلام :
ـ ما هذه المصائبالمتتالية ؟!
ـ اصبري يا امرأة . .هذه مشيئة الله .
ـ مشيئة الله !!
أجل .. لقد حان وقتالامتحان .. ما من نبي إلاّ وامتحن الله قلبه.
نظر أيوب عليه السلامإلى السماء وقال بضراعة :
ـ الهي امنحني الصبر .
في ذلك اليوم أمر أيوبعليه السلام الخدم والعبيد بمغادرة منزله .. والرجوع إلى أهاليهم والبحث عن عملآخر .
وفى اليوم التالى ..حدثت مصيبة تتكسر أمامها قلوب الرجال ..
لقد مات جميع أولادهالبنين والبنات ، حيث اجتمعوا فى دار لهم لتناول الطعام فسقطت عليهم الدار فماتواجميعا .
وازدادت محنة أيوب عليهالسلام أكثر وأكثر ..
فلقد اُبتلى فى صحته ..
وانتشرت الدمامل فىجسمه ..
وتحول من الرجل الحسنالصورة والهيئة إلى رجل يفر منه الجميع .
ولم يبق معه سوى زوجتهالطيّبة ..
أصبح منزله خالياً لامال له ، لا ولد ، ولا صحة ..
عَلَّمَ أيوبُ عليهالسلام زوجته أن هذه مشيئة الله ، وعلينا أن نسلّم لأمره ...
حاول الشيطان اللعين أنينال من قلب أيوب عليه السلام ، فأخذ يوسوس إليه من كل جانب قائلا : ماذا فعلت ياأيوب حتى يموت أولادك وتصاب فى أموالك ، ثم تصاب فى صحتك .
فاستعاذ أيوب عليهالسلام بالله من الشيطان الرجيم .. وتفل على الشيطان الرجيم ففر من أمامه . وكذلكفعلت زوجته وطردت وساوس الشيطان .
وكان أيوب عليه السلاملا يزداد مع زيادة البلاء إلا صبرًا وطمأنينة .
(4)
ويأس الشيطان من أيوبوزوجته الصابرين المحتسبين .
فاتجه إلى أهل حورانينفث فيهم الوساوس حتى جعلهم يعتقدون أن أيوبعليه السلام أذنب ذنباً كبيراً فحلّت به اللعنة ..
ونسج الناسُ الحكاياتوالقصص حول أيوب عليه السلام .. وتطور الأمرُ أكثر حتى ظنوا أنفي بقائه خطرًا عليهم . .
وعقدوا العزم أن يخرجواأيوبَ من أرضهم ..
وجاءوا إلى منزله .. لميكن في منزله أحد سوى زوجته قائلين :
نحن نظنّ أن اللعنة قدحلّت بك ونخاف أن تعمّ القرية كلها .. فاخرج من قريتنا واذهب بعيداً عنا نحن لانريدك أن تبقى بيننا .
غضبت زوجته من هذاالكلام قالت : نحن نعيش في منزلنا ولا يحق لكم أن تؤذوا نبي الله فى بيته وفى عقرداره ..
فردُّوا عليها بوقاحة :إذا لم تخرجا فسنخرجكما بالقوّة ..
لقد حلّت بكما اللعنةوستعمّ القرية كلها بسببكما ..
حاول أيوب عليه السلامأن يُفْهِمَ أهل القرية أن هذا امتحان وابتلاء من الله ، وأن الله يبتلى الأنبياءابتلاءات شديدة حتى يكونوا مثلا ونموذجًا لتعليم الناس .
قالوا له : ولكنك عصيتالله وهو الذي غضب عليك .
قالت زوجته : انتمتظلمون نبيكم ..
هل نسيتم إحسانه إليكمهل نسيتم يا أهل حوران الكساء والطعام الذي كان يأتيكم من منزل أيوب ؟!
قال أيوب عليه السلام : يا رب إذا كانت هذه مشيئتك فسأخرج من القرية وأسكن في الصحراء . . يا ربسامح هؤلاء على جهلهم ... لو كانوا يعرفونالحق ما فعلوا ذلك بنبيهم ..
هكذا وصلت محنةُ أيوبعليه السلام، حيث جاء أهلُ حوران وأخرجوه من منزله .
كانوا يظنّون أن اللعنةقد حلّت به ، فخافوا أن تشملهم أيضاً .. نسوا كل إحسان أيوب وطيبته ورحمتهبالفقراء والمساكين !
لقد سوّل الشيطانُ لهمذلك فاتّبعوه وتركوا أيوب يعاني آلام الوحدة والضعف والمرض .. لم يبق معه سوىزوجته الوفية .. وحدها كانت تؤمن بأن أيوب في محنة تشبه محنة الأنبياء وعليها أنتقف إلى جانبه ولا تتركه وحيداً .
(5)
ضاقت الأحوالُ فماتالولدُ وجفَّ الخيرُ وتصالحت الأمراض والبلايا على جسمه ، فقعد لا يستطيع أن يكسبقوت يومه .
وخرجت زوجته تعمل فيبيوت حوران، تخدم وتكدح في المنازل لقاء قوت يومهما ..
وكانت زوجة أيوب عليهالسلام تستمدّ صبرها من صبر زوجها وتحمّله . وقد أعدت لأيوب عليه السلام عريشًا فىالصحراء يجلس فيه وكانت تخاف عليه من الوحوش والحيوانات الضالة، لكن لا حيلة لهماغير ذلك .
وظل الحال على ذلكأعواما عديدة وهما صابرين محتسبين .
وفى يوم من الأيام ..
وبينما كانت الزوجةالصالحة خارج البيت ..
مرّ رجلان من أهل حوران– وكانا صديقين له قبل ذلك - توقفا عند أيوب عليه السلام ونظرا إليه، فرأوه علىحالته السيئة من المرض والفقر والوحدة ..
فقال أحدهما : أأنتأيوب ! سيد الأرض
- ماذا أذنبت لكي يفعلالله بك هذا ؟!
وقال الآخر : انك فعلتشيئاً كبيراً تستره عنا ، فعاقبك الله عليه .
تألّم أيوب عليه السلام. إن الكثير يتهمونه بما هو برئ منه .
قال أيوب عليه السلامبحزن : وعزّة ربي إنّه ليعلم ببراءتى من هذا.
تعجّب الرجلان من صبرأيوب عليه السلام ، وانصرفا عنه في طريقهما وهما يفكّران في كلمات أيوب عليه السلام !
أما زوجته الصالحة فقدبحثت عمّن يستخدمها في العمل ، ولكن الأبواب قد أُغلقت في وجهها . . ومع ذلك لمتمدّ يدها لأحد .
وتحت ضغط الحاجة والفقر، اضطرت أن تقص ضفيرتيها لتبيعهما مقابل رغيفين من الخبز .
ثم عادت إلى زوجهاوقدّمت له رغيف الخبز عندما رأى أيوب عليه السلام ما فعلت زوجته بنفسها شعر بالغضب.
حلف أيوب عليه السلامأن يضربها على ذلك مائة ضربة، ولم يأكل رغيفه كان غاضباً من تصرّفها ، ما كانينبغي لها أن تفعل ذلك .
(6)
ورغم أن زوجة أيوب عليهالسلام طلبت منه كثيرا أن يدعوا الله لكى يزيح عنه هذا البلاء الذى استمر هذهالسنوات العديدة فكان يرفض أن يشكو الله تعالى .
وتحمل المرض والبلايا.. وتحمل اتهامات الناس .
لكن بيع زوجته لضفيرتيهاهزه من الداخل ..
فنظر إلى السماء وقال:
يا رب إنّي مسّنيالشيطان بنصبٍ وعذاب.
يا رب بيدك الخير كلهوالفضل كله وإليك يرجع الأمر كله ..
ولكن رحمتك سبقت كل شئ..
فلا أشقى وأنا عبدكالضعيف بين يدك ..
يا رب .. مسنى الضروأنت أرحم الراحمين ..
وهنا .. أضاء المكانبنور شفاف جميل وامتلأ الفضاء برائحة طيّبة، ورأى أيوب ملاكاً يهبط من السماء يسلمعليه ويقول :
نعم العبد أنت يا أيوبإن الله يقرئك السلام ويقول : لقد أُجيب دعوتك وأن الله يعطيك أجر الصابرين..
اضرب برجلك الأرض ياأيوب ! واغتسل في النبع البارد واشرب منه تبرأ بإذن الله .
غاب الملاك ، وشعر أيوببالنور يضيء في قلبه فضرب بقدمه الأرض، فانبثق نبع بارد عذب المذاق .. ارتوى أيوبعليه السلام من الماء الطاهر وتدفقت دماء العافية في وجهه ، وغادره الضعف تماماً.
و بينما أيوب عليهالسلام يغتسل عريانا خر عليه رِجْلُ جَرَادٍ من ذهب فجعل يحثي في ثوبه . فناداهربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك ..
خلع أيوبُ عليه السلامثوب المرض والضعف وارتدى ثياباً تليق به ، يملؤها العافية والسؤدد .
وشيئاً فشيئاً ..ازدهرت الأرض من حوله وأينعت .
عادت الصحة والعافية ..عاد المال .. ودبت الحياة من جديد.
عادت الزوجة تبحث عنزوجها فلم تجده ووجدت رجلاً يفيض وجهه نعمة وصحته وعافية . فقالت له باستعطاف :
ـ ألم ترَ أيوب . .أيوب نبي الله ؟!
ـ أنا أيوب .
ـ أنت ؟! إن زوجي شيخضعيف .. ومريض أيضاً !
ـ المرض من الله والصحةأيضاً .. وهو سبحانه بيده كل شيء .
ـ نعم .. لقد شاء اللهأن يمنّ عليّ بالعافية وأن تنتهي محنتنا ! وأمرها أن تغتسل فى النبع ، لكى يعودإليها نضارتها وشبابها .
فاغتسلت في مياه النبعفألبسها الله ثوب الشباب والعافية .
ورزقهما الله بنيناوبنات من جديد ..
ووفاء بنذر أيوب عليهالسلام أن يضرب زوجته مائة ضربة أمره الله تعالى أن يأخذ ضغثا وهو ملء اليد منحشيش البهائم ، ثم يضربها به فيوفى يمينه و لا يؤلمها ، لأنها امرأة صالحة لاتستحق إلا الخير.
وكان أيوب عليه السلامواحدًا من عباد الله الشاكرين فى الرخاء، الصابرين فى البلاء ، الأوَّابين إلىالله تعالى فى كل حال .
وعَرِفَ الناسُ جميعًاقصةَ أيوب عليه السلام وأيقنوا أن المرض والصحة من الله وأن الفقر والثراء من الله..
وسجل الله قصته فىالقرآن الكريم فقال تعالى :
) وَأَيُّوبَ إِذْنَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُوَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ( سورةالأنبياء الآية : 83 و 84
وقال تعالى :
) وَاذْكُرْ عَبْدَنَاأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ *ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُأَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِيالْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّاوَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (<